تدريسي في إنسانية بابل ينشر مقال في جريدة الصباح ذي 5375 في صباح يوم الاحد الموافق 19/5/2024 .التدريسي في كلية التربية للعلوم الإنسانية قسم اللغة العربية بجامعة بابل الأستاذ الدكتور عبد العظيم السلطاني نشر مقالاً في جريدة الصباح يوم الأحد الموافق 19/5/2024 . ((معانٍ ودلالات من سيرة معلّم "في ذكرى رحيل الدكتور علي عباس علوان" )) هي الحياة، محيط كبير لحيوات الناس وهم فيها بين حاضر وغائب. ولكن قانون الحضور والغياب في المعنى والدلالة مختلف عنه في الفيزياء، حيث الحاضر كتلة تشغل حيزا، والغائب ما لم يعد كذلك. في قانون المعنى والدلالة قد تجد إنسانا حاضرا لكنّه ميّت بلا قيمة، وقد تجد ميّتا حاضرا في عطائه، رحل عن حياة الدنيا وخلّف إرثا مكتوبا ينتفع به الناس، كتابا جيدا يُثري العقل، مثلا. وقد يخلّف تركة من نوع آخر، تركة طريفة تُثري وتنفع، حين توضع موضع النظر والتبصّر. وأقصد بها سيرته وسيرة منجزه، وما تضمنت من أثر وموقف فيه دلالة وعبرة. واستذكارها يقدّم نفعا للناس وللحياة. حتى أن مقولة: دعوا الأموات فقد رحلوا وتحدّثوا عن حياتنا التي نحياها؛ تبدو مضحكة، على الرغم من صحتها حين يكون ولع الناس بنبش سير الماضين عاليا، وكأننا خُلقنا لهم وليس لحياتنا الحاضرة.لكن أن يكون في سير الراحلين ما يقدّم لحياتنا الحاضرة معاني ودلالات ويدفع بنا لنبني حياة أفضل؛ هنا يكون الحديث عن السير التي تضمنت كلّ هذا واجبا علينا، من أجل حياتنا الحاضرة، وواجبا علينا من أجل ثقافة الوفاء لمَن أعطى في حياته ومازالت قراءتنا لسيرته بعد رحيله تعطي ثمرا. فمثل هؤلاء صاروا مشاريع عطاء أحياءً وأمواتا. سأُحَدِّث عن علامات مضيئة في سيرة الراحل الدكتور علي عباس علوان، الذي عاش حياة حدّها سياجان الأول 1938 حيث الولادة في البصرة، والثاني 2013م حيث نهاية الرحلة بوفاته. مهنته أستاذ جامعي، لكنه لم يكتب كثيرا، بل كان مقلّا في البحث والتأليف بوجه عام حين يُقارن بكثير غيره من زملائه الأكاديميين، وما يميّزه أنّ هذا المنجز القليل كمّا كان نوعيّا. فهو مثلا، من الأساتذة العراقيين الذين كتبوا أطروحة دكتوراه مهمّة، وبقيت علامة دالة على منجز نوعيّ. كتبها في جامعة القاهرة، وطُبعت في وزارة الإعلام في العراق عام 1975. وفي تلك الأطروحة ما يتصل بحديث المعاني المضيئة في السِيَر، ففيها المهمّ والمختلف. وكان الدكتور علي مدركا لأهمية أطروحته واختلافها، وقد سجّل هذا الوعي في مقدّمتها حين صارت كتابا. فقال: ((إنّ محاولتي في هذه الرسالة، تختلف اختلافا واضحا عن مجموعة الدراسات والبحوث التي تناولت الشعر العراقي الحديث من حيث تحديد زاوية الموضوع، ومن حيث المنهج، ومن حيث النتائج. [...] أما من حيث المنهج، فقد كان اهتمامي منصبا على رصد الظواهر والسمات الفنية من خلال تحليل طبقات القصيدة الثلاث: الخيال والصورة، اللغة، فالأساليب الموسيقية، لكنني مع ذلك لم أهمل الواقع الاجتماعي والظروف الموضوعية التي رافقت هذه الظواهر الفنية)). بهذه الرؤية المنهجية كتب أطروحة وكانت علامة فارقة في تاريخ الدراسات النقدية للشعر العراقي، والسرّ أنّها ركّزت على البعد النقدي الجمالي ونسيج النصوص ومنهجيات الكتابة، وسط دراسات كان اتجاهها التركيز على البعد المضموني وصلته بالبعد الاجتماعي والآيديولوجي... وثمّة علامة أخرى مضيئة في منجز سيرته، وهي أنّه لم يكتف بما لديه من معرفة نقدية، تحصّلها من خلال الدكتوراه وما قبلها. فقد سعى دائما إلى التواصل مع الجديد من منهجيات النقد، على الرغم من كونها لم تكن من مكوّنات ثقافته النقدية في أطروحته للدكتوراه. ومثال ذلك أنه درّس لنا في مرحلة الدكتوراه عام 1993 موضوع "البنيوية في الأدب"، والبنيوية في حينها ليست من المقررات الشائعة في الدرس الأكاديمي في الجامعات العراقية. وبعد أن قدّم بفرشة من المحاضرات النظرية اتخذ من قصيدة جميل بثينة ((تقولُ بثينةُ لمّا رأتْ فُنونا من الشّعَرِ الأحْمرِ)) مثالا. وقرأها قراءة نقدية على وفق فهمه لمنطلقات المنهج البنيوي. ثمّ حلّل رواية "العزف في مكان صاخب" لعزيز خيّون، مستعينا بالمنهج نفسه.وهذا أمر مُلهم، فبعض الأكاديميين حجّموا أنفسهم وظلوا خارج الجديد المنهجي، وقتلوا في أنفسهم استعداد الباحث لمواكبة الجديد، فنضبوا. وظلّوا يردّدون ما عرفوه، من غير تطوير أو تجديد، مخالفين سنة الحياة التي تتجاوز الآفلين. في الثمانينيات والتسعينيات لم يكن للدكتور علي عباس علوان حضور ثقافي إعلامي يُذكر في المشهد الثقافي كالإعلام الرسمي أو في اتحاد الأدباء.. لأنّ القائمين على تلك الدوائر كانوا يخشون الترحيب بمَن ليس منسجما مع المسار الذي تريده السلطة. والحقيقة أن تلك المنتديات كانت لترحّب به لو أنّه جامل السلطة ولو قليلا، كي يرفع الحرج عن القائمين عليها. وهو لم يكن قادرا على هذا، وله موقف ثقافي أخلاقي مؤمن به. لكن الرجل على الرغم من حجب الأضواء عنه ظلّ ناقدا وأكاديميا مرموقا مُشعّا، في وسطه الأكاديمي. فالمضيء لا يُحجب، وسيتسلل ضوؤه إلى الحياة لينفع. ومن يسعى إلى الحجب سيكون هو الخاسر. لاسيّما حين يكون فاعل الحجب دوائر ثقافية، فهي هنا تفقد موضوعيتها وتفقد مبرر وجودها الأخلاقي. من ذكرياتي مع الدكتور علي عباس علوان في التسعينيّات - حين كنتُ طالبا وصديقا- أن كان لديه صديق يحبّه ويثق به من خارج الوسط الأكاديمي، واسمه (صادق حمودي) وكان لديه محل في منطقة "فضوة عرب"، لعمل دكتات مبردات الهواء. وقد اصطحبني معه إلى تلك الورشة الصغيرة أكثر من مرّة، وكان ما تيسّر فيها من مكان للجلوس بسيطا، لا يناسب مقام الجالسين. وصديقه صادق حمودي لم تكن لديه شهادة جامعية أو تعليم متقدّم. وكان يجمعه به أمران، حبّ الثقافة وبغض السلطة السياسية آنذاك. ومن المعاني والدلالات أن الدكتور علي عباس علوان أثّر في صديقه ودفعه إلى قراءة الأدب بل وكتابته، حتى صار يكتب القصة القصيرة، ونشر مجموعة قصصية بعنوان "النظارة السوداء". وهذا أمر له معنى كبير في إمكانية التأثير الإيجابي في الآخرين، فضلا عن معناه الإنساني فالدكتور علي لم يترفع عن أن يكون أحد أصدقائه الشخصيين كما وصفت. وهذا بفضل روحه الإنسانية الكبيرة وتواضعه الحقيقي غير المصطنع حين آمن بكمية النبل في روح صديقه وبرقي قيم الثقافة لديه. ومن يعرف الدكتور علي يعرف أنّه كان يتعالى على صغار النفوس من الناس الذين لا يفقهون معنى الكبير، وهذا ليس تكّبرا، بل كبرياءً محمودا. فتقدير الإنسان للآخرين إنّما ينبع أولا من تقديره لنفسه.إعلامُ الكُلِّيةِ...
نشر بواسطة: زهراء خوام عبد الواحد
تاريخ: 30/10/2024
تاريخ: 04/09/2024
تاريخ: 27/06/2024
تاريخ: 02/12/2024
تاريخ: 16/03/2024
تاريخ: 13/03/2024
تاريخ: 21/02/2024
تاريخ: 06/02/2024